
القصة باختصار
تخيّل أنك تقود حاضنة أعمال وأمامك ثلاثة رواد: الأول يريد تحقيق أرباح سريعة، الثاني يسعى لموازنة الربح مع قضية اجتماعية، والثالث مهتم فقط بحل مشكلة بيئية ملحة بدون ربحية. كيف ستوجه كل منهم؟ أيهما أفضل؟ كخطوة أولى أنت بحاجة إلى التمييز بين الأنماط الثلاثة للريادة، من خلال ثلاثة قصص بسيطة وغنية بالدروس.
الطريقة التقليدية
لنتأمل مشكلة الحشرات في الأراضي الزراعية، والتي يتم معالجتها بطرق متعددة. على سبيل المثال، يمكن أن يقوم أحد المهندسين الزراعيين بتركيب مواد من المبيدات الحشرية ويبدأ في بيعها للمزارعين. هذا ببساطة مشروع تجاري ربحي بحت، إذ يعالج مشكلة تواجه المزارعين وهي الحشرات، ولكنه في الوقت نفسه يخلق مشكلات بيئية وصحية.
مثل هذا المشروع، الذي قد يحقق أرباحًا ويوفر دخلًا للمهندس الزراعي (الذي يمكن تسميته برائد أعمال)، قد يهتم بالمشكلات التي تسببها المبيدات الحشرية للبيئة والصحة، ولكن هذه القضايا ليست أولوية بالنسبة له.
الطريقة المبتكرة .. المتوازنة؟
في المقابل، لنأخذ مثالًا لمهندس زراعي آخر أراد معالجة نفس المشكلة، لكن بطريقة أذكى وأقل ضررًا لكل من الصحة والبيئة. لذلك عمل على ابتكار جهاز لقتل الحشرات يعتمد على الطاقة الشمسية. فهو يعالج مشكلة الحشرات التي يواجهها المزارعون، وفي الوقت ذاته لا يضر المزروعات بالمبيدات، ولا يؤثر سلبًا على صحة الإنسان عبر منتجات زراعية ملوثة بالمبيدات الكيميائية.
علاوة على ذلك، فإن مثل هذا الجهاز الذي يعتمد على الطاقة الشمسية ويُشترى لمرة واحدة يقدم فائدة اقتصادية مهمة للمزارع، حيث يغنيه عن شراء المبيدات مع كل موسم. هذا المشروع، على الرغم من ربحيته، ينفع البيئة والصحة، ويهدف صاحبه إلى تحقيق توازن بين الربح والقضايا الاجتماعية والبيئية. لذلك يُطلق عليه اسم “رائد أعمال اجتماعي وبيئي”. من المشاريع الملهمة التي يُوصى بالاطلاع عليها مشروع المهندس محمد نايف، أحد المستفيدين من حاضنة “قدرة” في الريادة الاجتماعية والبيئية، والذي تدور فكرته حول جهاز يعالج مشكلة الحشرات باستخدام الطاقة الشمسية المستدامة والنظيفة.
طريقة تقليدية أيضاً .. لكن على الطرف الآخر
لنفترض أن هناك منظمة غير ربحية، مثل منظمة قدرة، قامت بشراء مئة جهاز من الرائد محمد نايف ووزعته بالمجان على مئة مزارع كجزء من مبادرة مجتمعية. مثل هذه المبادرة تعالج مشكلة اجتماعية وبيئية، وهي الاعتماد على المبيدات الكيميائية الضارة، ولكنها تُنفذ من خلال مشروع غير ربحي. يمكن تصنيف هذا النموذج ضمن الريادة الاجتماعية.
إذاً، نحن أمام ثلاثة نماذج مختلفة من الريادة لمعالجة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية:
1. النموذج الأول يهتم بالربح فقط، حتى وإن تسبب في ضرر للمجتمع والبيئة. ونسميه:
ريادة الأعمال Entrepreneurship
2. النموذج الثاني يوازن بين الربح ومعالجة القضايا الاجتماعية والبيئية (مثل مشروع محمد نايف). ونسميه:
ريادة أعمال اجتماعية وبيئية Impact entrepreneurship
3. النموذج الثالث يركز فقط على القضايا الاجتماعية والبيئية دون هدف ربحي. ونسميه:
ريادة اجتماعية وبيئية Social and environmental entrepreneurship
يوضح الجدول التالي مقارنة بين الأشكال الثلاثة للريادة:

إن فهم الفروق الدقيقة بين نماذج الريادة الثلاثة يمنح الحاضنات قوة استراتيجية في:
1. تصميم برامج احتضان متخصصة تناسب كل نموذج، مع التركيز على تطوير المهارات والقدرات المطلوبة لكل شكل من الريادة.
2. توجيه المستثمرين نحو المشاريع التي تتوافق مع أهدافهم، سواء كانت مالية بحتة أو مزيجاً من العوائد الاجتماعية والمادية.
3. تطوير معايير تقييم مختلفة لكل نموذج، تراعي الأبعاد المتعددة للنجاح في كل نوع من أنواع الريادة.
ندعو الحاضنات إلى استخدام هذا الإطار في تقييم المشاريع المتقدمة وتطوير برامجها بما يتناسب مع كل نموذج، لنخلق معاً جيلاً جديداً من رواد الأعمال القادرين على تحقيق النجاح المستدام بكافة أبعاده.